حسناً .. لا تندهش عندما أقول لك أن هذا المبنى قد بني بين عامي 1949-1951, هي أبراج رقم 860-880 ببحيرة شور درايف والتي صممها المعماري الرائد ميس فان دير روه (Ludwig Mies van der Rohe) وهما ناطحتا سحاب مشهورتين في سماء شيكاغو اللتان أعادتا معنى العيش في مكان مرتفع لجيل “ما بعد الحرب”. وأبراج ذات الستة والعشرون طابقا تقع على حدود بحيرة ميشيغان, وتعطي للسكان إطلالة على واجهة بحرية جميلة. والسبب وراء تشارك المخطط مع مفهوم ميس هو أن البناية يجب أن تكون “مستقلة” بالموقع, و بالفعل صمم البرجين بقوانينه وفلسفته الخاصة ليكونا أول خطوة نحو التصنيع المعماري.
وكان مدخل ميس للتصميم بهذا الموقع الذي يشبه المثلث من خلال ترتيب وتنظيم المبنيين على محوران بحيث يكونان على هيئة صليب متقاطع تجاه بعضهم, ليحقق بذلك مشاهدة بانورامية لبحيرة شور درايف الهادئة, وأيضاً مشاهدة المدينة المزدحمة النابضة بالحياة التي تقع في الجنوب الغربي للأبراج. ولتحتضن الزاوية القائمة ذات التسعين درجة حيث تقع المباني أيضا ساحة من الحدائق على مستوى الأرض.
و أفكار ميس للعمارة المستقلة (independent architecture) تظهر أيضا في رفع الطابق الأرضي للمباني مما يجعل الأبراج تظهر كما لو أنها تطفو فوق سطح الأرض. ونجد على مستوى المدخل, سقف أفقي هو يمثل الرابط الوحيد بين البرجين السكنيين ليس لديها أي وظيفة أخرى في الواقع إلا “تحديد روحانية هذا المكان تحديداً وتشكيل رابط بصري بينهم”
تم تنظيم مخطط الأبراج في شبكة طولها 21 قدما أو ما يعادل 6.4 متر تمثلت في أعمدة من الفولاذ موضوعة في تقاطعات الشبكة. ليستخدمها كأعمدة في تحميل الهيكل الإنشائي, وقام ميس بتبسسيط إطار الفولاذ ليعبر ببساطة عن غرضه في حين استخدامه للتعبير عن الشبكة أو الموديولة التصميمية ليبرزها للعين. و من أجل تحقيق غرضه أراد ميس أن يظهر الخصائص الداخلية لهياكل الفولاذ. مما أدى لأن تصبح هذه مشكلة تواجهه نتيجة لقواعد وإشتراطات الحريق في مدينة شيكاغو, لكن ميس حقق هدفه ليجعل تلك الهياكل تظهر على الرغم من هذا الأمر. وحقق ذلك من خلال تغطية الأعمدة الخرسانية بألواح الفولاذ, وبهذه الطريقة إستطاع الحفاظ على وحدة الأعمدة الفولاذية بصرياً.
وكان هناك أمر أخر مميز وقتها يتعلق بهذه الأبراج .. وهو أنها بنيت بأجزاء مسبقة الصنع (prefabricated ). على سبيل المثال, خلال بناء الواجهة تم تجميع الوحدات الأربع للنافذة على السطح وتثبيتها من فوق من عمود إلى عمود. ونجد أيضاً أن نفس القطاع الذي صنعت منه وحدات النافذة للتثبيت قد صنعت منه أيضاً الأعمدة و زوايا الأعمدة. ليتكون الهيكل من نظام من الإطر والذي خلق نمطا جميلا متناقضا بين الفولاذ الأسود و سطح الزجاج.
والتقسيمات الموجودة بين زجاج النوافذ (mullions) في بنايات 860-880 تم التفكير فيها بطريقة متقنة أيضاً حيث أن بنيت على نظام شبكي بحجم 3 اقدام و 5 إنشات و هي مصنوعة من الفولاذ الواسع ذي الحواف ذي قياس 8 إنشات. هذه التقسيمات القياسية من الصلب صنعت بالأساس للاستخدامات العام في الصناعة .. ولكننا نجدها في المبنى مما أدى لتسهيل تشكيل وتكوين وبناء المبنى. لوذلك لأنها يتم تثبيتها ببساطة في الإطار الخارجي.
وعندما جعل ميس عملية بناء وإنشاء المباني أولوية تصميمية لديه, انشئ ميس نظاما شبكياً مثالية بداية من من الهيكل الإنشائي, إلى النوافذ, ووصولاً إلي تقسيمات الفراغات الداخلية. “من الخارج إلى الداخل … من دائم إلى مؤقت, فإن الهندسة المعمارية نفسها تظهر جلياً أنها تطورت أثناء في تسلسل عملية الإنشاء والبناء” النظام الشبكي المثالي الموجود في أبراج 860-880 بحيرة شور درايف جعل هذه الأبراج السكنية تصبح معلما في مدينة شيكاغو, وربما كان ذلك هو السبب في أن ميس وزوجته ظلا يقيمان في إحدى الشقق به لعدة سنوات.
